وحدة النشاط الاداري
المحور الثاني: الشرطة الإدارية
إن دراسة موضوع الشرطة الإدارية يقتضي تحديد مفهومها وتمييزها عن الشرطة القضائية (المبحث الأول)، وتوضيح أهدافها (المبحث الثاني) وأنواعها (المبحث الثالث)، قبل التطرق لوسائل ممارستها لمهامها ورقابة القضاء عليها (المبحث الرابع).
المبحث الأول: مفهوم الشرطة الإدارية تعتبر الشرطة الإدارية من الوظائف التقليدية التي تمارسها الإدارة للحفاظ على النظام العام داخل المجتمع، فالمقصود بها؟ وكيف تميزها عن أنواع الشرطة الأخرى المشابهة لها وخاصة الشرطة القضائية؟ وقد عرفها جانب من الفقه بأنها مجموع نشاطات الإدارة التي تكمن في اتخاذ مختلف الإجراءات التنظيمية والفردية من أجل الحفاظ على النظام العام.
المطلب الأول: تعريف الشرطة الإدارية
تعد الشرطة الإدارية من المؤسسات الرئيسية التي ترتبط بمفهوم الدولة، فهي قد شكلت دائما إحدى ركائزها، إلى حد أنها تمتزج بها. وذلك راجع إلى كون الشرطة الإدارية هي الجهاز الأساسي والضروري الذي تعود إليه مهمة الحفاظ على النظام العام وضمان استمرارية النظام السياسي القائم.
انطلاقا من هذا التعريف، يمكن التمييز بين معنيين:
*معنى عضوي يعتبر بأن الشرطة الإدارية هي الأجهزة التي يعود إليها اختصاص
المحافظة على النظام العام؛ *معنى وظيفي يعتبر بأن الشرطة الإدارية هي مختلف الإجراءات المتخذة للمحافظة على النظام العام.
لذلك، يمكن القول بأن الشرطة الإدارية هي عملية إصدار الإدارة لمجموعة من الأوامر والتعليمات للأفراد ترشدهم إلى وجوب القيام بعمل ما أو الامتناع عنه، بغرض تنظيم نشاطهم وحرياتهم العامة، وذلك من أجل الحفاظ على أمن المجتمع وحمايته من أي مخالفات قد تلحق الضرر بالنظام العام. فالشرطة الإدارية إذا هي أسلوب وقائي لمنع وقوع كل ما من شأنه أن يمس بالنظام العام.
المطلب الثاني: تمييز الشرطة الإدارية عن الشرطة القضائية
يبدو أن التمييز بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية، يقتضي على المستوى النظري كثيرا من الدقة، وذلك انطلاقا من وضع تصور واضح للواقع الذي يتحرك فيه كلا الجهازين. ورغم وجود عدد من نقط الالتقاء بينهما، فإنهما يختلفان في عدة جوانب.
الفقرة الأولى: نقط الاختلاف بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية
إن موضوع الشرطة الإدارية يتمثل في منع وقوع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام، مثلا الشرطي الذي ينظم السير أو الحارس الذي يراقب الغابة، أما موضوع الشرطة القضائية فيكمن في التثبت من وقوع الجريمة وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها، وهو ما يعبر عنه في النظام الجنائي بمرحلة "البحث التمهيدي" التي تسبق مرحلة التحقيق والمحاكمة، مثلا كالحالة التي يتولى فيها شرطي المرور إثبات حادثة . وقع ضحيتها أحد الراجلين وتضمينها في محضر قصد عرضها على العدالة. سیر وبناء على هذا التمييز في الموضوع، يتضح بأن مهام الشرطة الإدارية ذات طابع
وقائي أي تتدخل قبل وقوع الجريمة، في حين أن مهام الشرطة القضائية ذات طابع زجري
أي تدخل بعد وقوع الجريمة. ومن جانب آخر، فإن ممارسة الشرطة الإدارية يمكن أن تتم لفائدة عدة جهات تتمثل في الدولة والجماعات الترابية، في حين أن ممارسة الشرطة القضائية لا يمكن أن تتم إلا لفائدة جهة واحدة وهي الدولة.
كما أن الشرطة الإدارية في إطار ممارستها لنشاطها تخضع لرقابة الإدارة المعنية، ولرقابة القضاء الإداري على مشروعية أعمالها، في حين أن الشرطة القضائية تخضع في ممارستها لنشاطها لرقابة النيابة العامة وقاضي التحقيق (طبقا لما هو منصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية) 2 ، وتختص بمنازعاتها المحاكم الجنائية.
الفقرة الثانية: نقط الالتقاء بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية
إن القاسم المشترك بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية يكمن في كونهما معا يهدفان إلى الحفاظ على النظام العام، الذي يتم عبر عملية الوقاية التي تشكل مرحلة تدخل الشرطة الإدارية، وعبر عملية الزجر التي هي مرحلة تدخل الشرطة القضائية. غير أنه في غالب الأحيان يصعب التمييز بين الجهاز الذي يمارس اختصاصات الشرطة الإدارية والجهاز الذي يمارس اختصاصات الشرطة القضائية، خصوصا عندما يتم
إسناد الاختصاصين معا لجهاز واحد، بمعنى أن نفس السلطات التي تمارس السلطة
الإدارية، هي التي تمارس الشرطة القضائية، مثلا الشرطي أو الدركي الذي يراقب عملية المرور، يكون جهازا للشرطة الإدارية عندما يقوم بتنظيم السير، لكنه يتحول إلى جهاز للشرطة القضائية عندما يحرر محضر المخالفة التي يرتكبها أحد سائقي السيارات. نفس الشيء بالنسبة للعمال والباشوات والقواد الذين يمارسون مهام الشرطة الإدارية بصفتهم ممثلين للسلطة الإدارية المركزية، يسهرون على تطبيق القوانين والحفاظ على النظام العام، ويمارسون مهام الشرطة القضائية استنادا إلى مقتضيات قانون المسطرة الجنائية، والقانون المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.